المقالة : برّ الوالدين عند قرأن الكريم



المقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين وبه نستعينه والصلاة والسلام على رسول الله محمّد صالى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى في القران الكريم: { وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوْا اِلاَّ اِيَّاهُ وَبِالْوَاِلدَيْنِ اِحْسَانًا, اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْ هُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيْمًا } [الإسراء: 23]
كما كتب الله في أيته, أن الله تعالى يأمرنا لطاعة الولدين, لكنّ الآن في هذا الزمان قد نظرنا وشهدنا عن كيف الولد يعاشر أمّه أو أباه.فمن اليوم بعضهم كثيرا يؤذون ويعقّون ولديهم. ولذلك سيأتي المبحث في هذه المقالة عن برّ الوالدين, بتحديد المسألة فيما يلي.
تحديد المسألة:
1.   ما تعريف المفهوم برّ الوالدين؟
2.   ما الأية المتعلّقة ببرّ الوالدين؟
3.   ما الأحكام الشّرعيّة الموجودة في سورة لقمان: 14؟
4.   ما المضمون في سورة الإسراء: 23؟
5.   هل تلزم طاعة الوالدين في لأمور المحظورة ؟




الفهرس
 المقدّمة
تحديدالمسألة...........................................................................1
الفهرس....................................................................2
إعراب الأية المتعلّقة
سورة لقمان (31) : الآيات 14 الى15 .................................................3
سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى24................................................ 4
المبحث الأول
تعريف المفهوم برّ الوالدين ...............................................................6
الأية المتعلّقة ببرّ الوالدين.................................................................6
الأحكام الشّرعيّة الموجودة في سورة لقمان:14.............................................7
ما المضمون في سورة الإسراء: 23........................................................9
هل تلزم طاعة الوالدين في لأمور المحظورة؟................................................13
 المبحث الثاني
الخلاصة..............................................................................14



إعراب الأية المتعلّقة
[سورة لقمان (31) : الآيات 14 الى 15][1]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
الإعراب:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) كلام معترض على سبيل الاستطراد في أثناء وصية لقمان مؤكد لما اشتملت عليه من النهي عن الشرك. ووصينا فعل وفاعل والإنسان مفعول به وبوالديه متعلقان بوصينا وجملة حملته أمه اعتراضية بين المفسّر والمفسّر وحملته أمه فعل ماض ومفعول به وفاعل ووهنا على وهن حال من أمه أي ذات وهن أو مصدر مؤكد لفعل هو الحال أي تهن وهنا وعلى وهن صفة للمصدر أي كائنا على وهن وقيل منتصب بنزع الخافض أي حملته بضعف على ضعف، وقال الزجاج: المعنى لزمها بحملها إياه أن يضعف مرة بعد مرة، وقال الزمخشري: «أي حملته أمه تهن وهنا على وهن كقولك رجع عودا على بدء وهو في موضع الحال والمعنى أنها تضعف ضعفا فوق ضعف أي يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل كلما ازداد وعظم ازدادت ثقلا وضعفا» والواو عاطفة وفصاله مبتدأ وفي عامين خبر.
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أن مفسرة والجملة تفسير لوصّينا كما تقدم واختار الزجاج أن تكون أن على بابها أي مصدرية ومحل المصدر النصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بوصينا وليس قوله ببعيد واشكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ولي متعلقان باشكر ولوالديك عطف على لي وإليّ خبر مقدم والمصير مبتدأ والجملة استئنافية. (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) الواو عاطفة وإن شرطية وجاهداك فعل ماض وفاعل ومفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط وعلى حرف جر وأن تشرك المصدر المؤول مجرور بعلى والجار والمجرور متعلقان بجاهداك وبي متعلقان بتشرك وما موصول مفعول به وجملة ليس صلة ولك خبر ليس المقدم وبه متعلقان بعلم وعلم اسم ليس المؤخر، فلا الفاء رابطة ولا ناهية وتطعهما فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به والميم والألف حرفان دالان على التثنية وجملة فلا تطعهما في محل جزم جواب الشرط.
(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) الواو عاطفة وصاحبهما فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت ومفعول به وفي الدنيا حال ومعروفا صفة لمصدر محذوف أي صحابا معروفا واختار بعضهم أن ينصب بنزع الخافض أي بالمعروف. (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) واتبع فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وسبيل مفعول به ومن مضاف اليه وجملة أناب صلة من وإليّ متعلقان بأناب، ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وإليّ خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر، فأنبئكم الفاء عاطفة وأنبئكم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به وبما متعلقان بأنبئكم وكنتم تعملون كان واسمها وجملة تعملون خبرها.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 24][2]
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)
الإعراب:
(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لبيان منزلة الوالدين ووجوب معاملتهما من قبل الأبناء معاملة لائقة وقضى ربك فعل وفاعل ومعنى قضى أمر أمرا قاطعا وقيل أوصى و «أن» يحتمل أن تكون مصدرية فلا نافية وتعبدوا منصوب بها والمصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بقضى وقيل مفسرة لأن قضى فيه معنى القول دون حروفه أو مخففة من الثقيلة فلا على الحالين ناهية وتعبدوا مجزوم بها وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وإلا أداة حصر وإياه مفعول وبالوالدين جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره وأحسنوا، وإحسانا مفعول مطلق ناصبه الفعل المحذوف، وإنما علقناهما بالفعل المحذوف لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)
إن شرطية زيدت عليها ما تأكيدا لها ويبلغن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم فعل الشرط وعندك ظرف متعلق بمحذوف حال وأحدهما فاعل يبلغن والميم والألف حرفان دالان على التثنية وأو حرف عطف وكلاهما عطف على أحدهما وعلامة رفعه الألف لأنه ملحق بالمثنى ومعنى عندك أي حالة كونهما في كفالتك يتولى منهما ما كانا يتوليان منه إبان الطفولة وفي ذلك منتهى التوصية باستعمال لين الجانب ودماثة الخلق معهما في هذه الحال. (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً) الفاء رابطة للجواب ولا ناهية وتقل فعل مضارع مجزوم بلا ولهما متعلقان بتقل وأف اسم فعل مضارع بمعنى التضجر وفاعله مستتر تقديره أنا والجملة مقول القول وسيأتي تحقيق واسع في هذه الكلمة وفي أسماء الأفعال في باب الفوائد، ولا تنهرهما عطف على لا تقل لهما والنهر الزجر، وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ولهما متعلقان بقل وقولا مفعول مطلق وكريما صفة. (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) واخفض لهما عطف على وقل لهما وجناح الذل مفعول به ومن الرحمة متعلقان بأخفض فمن للتعليل أي من أجل الرحمة أو الابتداء أي أن هذا الخفض ناشىء من الرحمة المركوزة في الطبع ولك أن تعلقها بمحذوف حال. (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) وقل عطف على ما تقدم ورب منادى مضاف لياء المتكلم محذوف منه حرف النداء وارحمهما فعل دعاء وكما نعت لمصدر محذوف أي ارحمهما رحمة مثل تربيتهما لي أو رحمة مثل رحمتهما لي فتكون التربية بمعنى الرحمة وربياني فعل ماض والألف ضمير الاثنين فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به وصغيرا حال من الياء.

المبحث الأول
الألف. تعريف المفهوم برّ الوالدين
البرّ من حيث اللغة ويأتي من كلمة "بَرَّ –يبَر  برّا وبرارة وبرورا خالقه: طاعه. واذا بَرَّ – يَبُرُّ برّا ومبرة والده, معنه يعني: طاعة أو حسن معاملته عن حب.[3]
وامّا الوالدين من حيث اللغة يأتي من كلمة الوليد ج ولدة وولدان, م وليدة ج ولائد معنه يعني المولد أو الصبيّ أو العبد أو أمّ الوليد.[4]
كما كُتِب في سورة مريم: 14 { وَ بَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا } [مريم: 14] [5] 
وبرّا بوالديه أى معنه يعني محسنا إليهما.[6]
الباء.الأية المتعلّقة ببرّ الوالدين
{ وَوَصَّيْنَا اْلاِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ اُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيْرُ}  [لقمان: 14]
 { وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ
 سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15]                       
{ وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوْا اِلاَّ اِيَّاهُ وَبِالْوَاِلدَيْنِ اِحْسَانًا, اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ
 لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْ هُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيْمًا } [الإسراء: 23]
{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيْرًا}[الإسراء: 24]
الجيم. الأحكام الشّرعيّة الموجودة في سورة لقمان: 14
الحكم الأوّل: ما هي مدّة الرّضاع المحرّم؟[7]
استدل الفقهاء على أن مدّة الرضاع الذي يتعلق به التحريم هو سنتان بهذه الأية الكريمة, وهي: {وَفِصَالُهُ في عَامَيْنِ}  [لقمان: 14] فإنّ المراد بالفصال الفطام فتكون السنتان هي تمام مدة الرضاع.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى في سورة البقرة: {وَالوَالِدَاتُ يَرْضَعْنَ أًوْلَادَ هُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة:233] الأية. على أن أقصى مدة الرضاع سنتان فقط.
        وهذا رأي الجمهور "مالك والشافعي وأحمد" رحمهم الله تعالى.
وذهب الإمام "أبو حنيفة" رحمهم الله إلى أن مدة الرضاع المحرِّم سنتان ونصف , ودليله قوله تعلى في سورة الأحقاف: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف:15] الأية.
وله فالاستدلال من الأية الكريمة وجهان:
الوجه الأول: أن المرد بالحمل هنا ليس حمل الجنين في بطن أمّه, وإنّما حمله على  اليدين من آجل الإرضاع فكان الله تعالى يقول : تحمل الأمّ ولدها بعد الولادة لترضعه مدة ثلاثين شهرا, فتكون المدة المذكورة في الأية الكريمة لشيىءٍ واحد وهو الرضاع.
الوجه الثاني: أنّ الله سبحانه وتعالى ذكر في الأية الكريمة أمرين وهما: "الحمل" و "الفصال", وأعقبهما بذكر بيان المدّة, فتكون هذه المدّة لكلّ من الأمرين استقلالاً ويصيح المعنى على هذه التأويل: حمله ثلاثون شهرًا وفصاله ثلاثون شهرًا أي إنّ المدّة لكلّ منهما "عامان ونصف" وبذالك يثبت أنّ مدّة الرضاع عامان ونصف, وهو كما إذا قال إنسان عليه دين "لفلان وفلان عندي ماىْة الى سنة" فتكون السنة هي أجل لكلّ من الدينين, وكذلك هنا تكون الثلاتون شهرا مدة كل من الحمل والرضاع. وهذا الرأي اللّذي ذهب إليه "أبو حنيفة" رحمه الله لم يوافقه عليه تلميذه "أبو يوسف" و "الإمام محمد" بل قالوا بمثل قول الجمهور وهو أن مدة الرضاع المحرّم عامان فقط.  
الترجيح: ولعلنا بعد استعراض الأدلة نرجح قول الجمهور, لاسيما وأن تلميذية قد خالفاه فيما ذهب إليه, ودليل الجمهور, والله أعلم.
 الحكم الثاني: كم هي مدة الحمل الشرعي؟[8]
أجمع الفقهاء على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر, وهذا الحكم مستنبط من قوله تعالى:
{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }[ الأحقاف: 15] ومنقوله تعالى في الأية لأخرى:{ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [اللّقمان: 14] فمن مجموع الأيتين الكريميتن يتبيَّن أن أقل كدة الحمل هي ستّة شهور ... قال "ابن العربي" في تفسيره.
"رزي أن امرأة تزوجت ف ولدت لستّة أشهر من يوم تزوجت, فأتي بها عثمان رضي الله عنه فأراد أن يرجمها, فقال "ابن عباس" لعثمان: إنها تخاصمكم بكتاب الله تخصمكم, قال الله عز وجل: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [ الأحقاف: 15] وقال: {وَالوَالِدَاتُ يَرْضَعْنَ اَوْلَادَ هُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَضَاعَةُ}[البقرة:233]  فالحمل ستة أشهر, فخلىّ عثمان رضي الله عنهه سبيلها.
وفي رواية أن "علي ابن طالب" قال له ذلك.
قال ابن العبي: هو استنباط بديع[9]
الحكم الثالث:  هل يقتص من الوالد بجنايته على الولد؟[10]
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الولد لا يستحق القوّد على أحد والديه بجناية أحدهما عليه, ولا يقتص منهما بسبب الولد, كما لا يحدّ إذا قذفه احدهما ولا يجس له بدين عليه.
ودليلهم أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالصحبة لهما بالمعروف فقال: { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوْفًا } [ لقمان: 15] وليس من المعروف أن يقتص من الوالد للوالد, ولا أن يجس في دينه, ولا أن يحدّ إذا قذفه لأن ذلك كلّه ممّا يتنافى مع صحبتهما بالمعروف, ولأنهما كان سببًا في حياته, فلا يصيح أن يكون الولد سببًا في إهلاك والديه, وقد جاء في الحديث ما يؤيد حيث قال رسول الله صالى الله عليه وسلّم: "لا يقاد للولد من والده".
الدال. ما المضمون في سورة الإسراء: 23؟
{ وَقَضى رَبُّكَ اَلاَّ تَعْبُدُوْا اِلاَّ اِيَّاهُ وَبِالْوَاِلدَيْنِ اِحْسَانًا, اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ اَحَدُهُمَا اَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ
 لَّهُمَا اُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْ هُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيْمًا } [الإسراء: 23]
 (وقضى) أي نهاك عن ذلك وأمر (ربك) أي المحسن إليك أمرا حتما مقطوعا به ماضيا لا يحتمل النزاع, فسر هذا الأمر بقوله تعالى (ألا تعبدوا) أي أنت وجميع أهل دعوتك, وهم جميع الخلق (إلا إياه) فإن ذلك هو الإحسان.
ولما أمر بمعرفة الحق المحسن المطلق منبها على وجوب ذلك باسم الربّ, أتبعه الأمر بمعرفة الحق الأول المربين من الخلق فقال: (وبالوالدين) أي وأحسنوا, أي أوقعوا الإحسان بهما (إحسانا) بالإتباع في الحق إن كان حنيفين شاكرين لأنعمه كإبراهيم ونوح عليهما السلام فإن ذلك يزيد في حسناتهما, وبالبراعة منهما في الباطل فإن ذلك يخفف من وزرهما واللطف بهما ما لم يجر إلى فساد ليكون الله معكم فإنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
ولما كان سبحانه عليما بما في الطباع من ملل الولد لهما عند أخذهما في السن, قال تعالى: (إما) مؤكدا بإدخال "ما" على الشرطية لزيادة التقرير للمعنى اهتماما بسأن الابوين (يبلغن عندك) أي بأن يضطر إليك فلا يكون لهما كافل غيرك (الكبر) ونفى كل احتمال يتعلق به المتعنت بقوله تعالى: (أحدهما أوكلاهما) فيعجزا بحيث يكونان في كفالتك (فلا تقل لهما أف) أي لا تتضاجر منهما, وفي سورة الأحقاف ما ينفع كثيرا : ثم صرح بما ينهى عنه الكلام من باب الأولى تعظيما للمقام فقال: (ولا تنهرهما) فيما لا ترضاه, والنهر زجر بإغلاظ وصياح. وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي رحم الله في كتابه في أصول الفقه: وقد أولع الأصوليون بأن يذكروا في جملة هذا الباب- أي باب الاستدلال بالملزوم على اللازم والأدنى على الأعلى- قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) بناء على أن التأفيف عندهم أقل شيئ يعق به الأب, وذلك حائد عن سنن البيان ووجه الحكمة, لأنه ليس في العقوق شيئ اشدّ من التأفيف لأنه إنما يقال للمستقذر المسترذل, ولذلك عطف عليه (ولا تنهرهما) لأنه لا يلزم منه لزوم سواء ولا لزوم أخرى, ولا يصلح فيما يقع أدنى أن يعطف عليه ما يلزمه سواء, أو أحرى كما لو قال قائل: من يعمل ذرة خيرا يره ومن يعمل قيراطا يره, لم يصلح عطفه عليه لإفادة الأول إياه ولعلّ ذلك شيئ وهل فيه واهل فسلك إثره من غير اعتبار لقوله- انتهى.
ولما نهاه عن عقوقهما تقديمًا تدرأه بها المفسدة, أمره ببرهما جلبًا للمصلحة, فقال تعالى: {وَقُلْ لَهمُاَ} أي بدل النهر وغيره {قَوْلًا كَرِيْمًا} أي حسنا جميلا يرضاه الله ورسوله مع يظهر فيه من اللين والرقة والشفقة وجبر الخاطر  وبسط النفس, كما يقتضيه حسن الأدب وجميل المروءة,   ومن ذلك أنك لا تدعوهما بأسمائهما, بل بيا أبتاه ويا أمتاه- ونحو هذا[11] 
وأمّا في الكتاب "في ظلال القرأن" فسّر الشيخ سيّد قطب عن هذه الأية, كما كتِبه:
" وَقَضى رَبُّكَ اَلاَّ تَعْبُدُوْا اِلاَّ اِيَّاهُ"....
فهو أمر بتوحيد المعبود بعد النهي عن الشرك. أمر في صورة قضاء. فهو أمر حتمي حتمية القضاء. ولفظة "قضى" تخلع على الأمر معنى الوكيد, إلى جانب القصر الذّي يفيده النفي والإثتثناء "ألا تعبد الاّ إياه" فتعبدو في جو التعبير كله ظلال التوكيد والتشديد.
فإذا وضعت القاعدة, وأقيم الأساس, جاءت التكليف الفردية الإجتماعية, ولها في النفس ركيزة من العقيدة  في الله الواحد, توحد البواعث و الأحداف من التكليف و الأعمال.
و الرابطة الأولى بعد رابطة العقيدة, هي رابطة الأسرة, ومن ثم يربط السياق برّ الوالدين بعبادة الله, إعلاناً لقيمة هذا البرّ عند الله :
"وَبِالْوَاِلدَيْنِ اِحْسَانًا اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ اَحَدُهُمَا اَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا اُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْ هُمَا وَقُلْ لَّهُمَا
 قَوْلاً كَرِيْمًا  , وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيْراً"
 بهذه العبارة النادية وصور الموحية يستجيش القران الكريم واجدان البرذ والرحمة في قلوب الأبناء. ذلك أن الحياة وهي مندفعة في طريقها بالأحياء, توجّه اهتمامهم القويّ إلى الأمام, إلى الذرية, إلى الناشئة الجديدة. إلى الجيل المقبل. وقلما  يتوجه إهتمامهم الى الوراء . الى الحياة المولية . الى الجميل الذاهب! ومن ثم تحتاج النبوة الى إستجا شه وجدانها بقوة لتنعطف الى الخلف, وتتلفت الأباء والأمهات.
إن الوالدين يتدفعان بالفطرة الى الرعاية الأولاد. الى التضحية بكل شيئ حتى بالذات. وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحياة فإذا هي فتات. ويمتص الفرح كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر, كذلك يمتص الأولاد كل رحيق و كل عافية و كل جهاد و كل اهتمام الوالدين فإذا هما شيخوخة فانية – املهما الأجل وهما مع ذلك سعيدان.
فاما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله, ويندفعون بدورهم الى الأمام. الى الزوجات والذارية....وهكاذا تندفع الحياة.
و من ثم لا يحتج الأباء الى توصية بالأبناء. إنما يحتج هؤلاء الى إشتجانه وجدانهم بقوة ليذكرو واجب الجيل الذي أنفق رحيقة كله حتى أدكره الجفاف!
و هنا يجيء الأمر بالإحسان الى الولدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد, بعد الأمر المؤكد بعبادة الله.
ثم يأخذ السياق في تظليل الجو كله بأرق الظلال, وفي إشتجاشه الوجدان بذكرية الطفولة ومشاعر الحب والعطف والحنان:
 "اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ اَحَدُهُمَا اَوْ كِلاَهُمَا"... و الكبر له جلاله, وضعف الكبر له ايحاؤه, و كلمة "عندك" تصور معنى الالتجاء ولاحتماء في حالة الكبر و الضعف... "فلا تقل لهما أفّ و لا تنهرهما" و هي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب الأيند من الولد ما يدل على الضجر والضيق, وما يشي بالإهانة و سوء الأدب... "و قل لهما قولا كريما" وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والإحترام.[12] 

الهاء. هل تلزم طاعة الوالدين في لأمور المحظورة ؟
قال العلامة القرطبي: "إن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة, و لا في ترك فريضة وتلزم طاعهما في المباحث, ونقل عن "الحسن" إنه قال: إن منعته أمه من شهود صلاة العشاء شفقة فلا يطعها"
ثم قال: و الآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كان فقيرين, وإلانة القول والدعاء الى الإسلام برفق. وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي صالى الله عليه السلّم و قد قدمت عليها أمها من الرضاعة فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم .
وهذه الأحكام استنباطها العما من قوله تعالى { وَ إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكْ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمِ فَلَا تُطِعْهُمَا } [لقمان: 15] فكما تحرم الطاعة الوالدين في الشرق تحرم في كل معصية, لأنه طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهذا المعنى قد سنه الخليفة الراشد "أبو بكر" رضي الله عنه في خطبته الأولى حين تولى الخلافة على المؤمنين, فكان فيما قال:
"أما بعد" أيها الناس : إِنِّي قَدْ وليت عليكم ولستُ خيركم, فإن أحسنتُ فأعينوني وإن أسأتُ فقوِّموني,
أطيعوني, ما أطعت الله فيكم, فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"[13].  
         



المبحث الثاني
الخلاصة:
1)   طاعة الوالدين من طاعة الله, وبرّ هما مقرون بعبادة الله تعالى.[14]
2)   حق الأم على ولدها أعظم من حق الأب لأن أتعبها عليه أكثر.[15]
3)  لا تجوز الطاعة في المعصية, إنما الطاعة في المعروف كما بيّنه عليه السلام. [16]


[1][536-538] إعراب القران وبيانه[7]
[2] [410-412] إعراب القران وبيانه[7]
[3] المنجد: 30
[4] المنجد: 918
[5] القران الكريم (19:14)
[6] تفسير القران العظيم, للامامين جللين (2:14)

[7] تفسير أّيات الأكام  [ 177-178 ]
[8] تفسير أّيات الأكام [ 178]
[9] انظر أحكام القرلأن لإبن العربي, الجزء الثالث
[10] تفسير أّيات الأكام [ 178-179]
[11] نظم الدّرر, الجزء الرابع [373-372]
[12] في ظلال القرأن, الجزء الخامس عشر [2219-2224]
[13] تفسير أّيات الأكام [179]
[14] تفسير أّيات الأكام [180]
[15] تفسير أّيات الأكام [180]
[16] تفسير أّيات الأكام [180]

Komentar

Postingan populer dari blog ini

Pemikiran Hadits Kontemporer Muhammad Syuhudi Ismail

Kapita Selekta Pendidikan Islam ( Problematika Pendidikan Islam)

Makalah pendidikan agama islam tentang jujur